المجلة

جان لوي ديبري… رجل الدولة الذي لن يُنسى بقلم الدكتور جيلبير المجبر

جان لوي ديبري… رجل الدولة الذي لن يُنسى

بقلم الدكتور جيلبير المجبر

رحل جان لوي ديبري، ومعه تنطفئ فكرة معينة عن فرنسا: فكرة بلدٍ يكون فيه الشرف والاستقامة والولاء للمبادئ الجمهورية قيمًا حقيقية وليست مجرد كلمات جوفاء. إن وفاته خسارة فادحة لأمتنا، ولكن أيضًا لكل من حظوا بشرف معرفته، والاستماع إليه، والتقرب منه بالنسبة لي، كان جان لوي أكثر من مجرد شخصية عامة؛ كان صديقًا عزيزًا. لطالما كانت صداقته مصدر إلهام لي، وكان دائمًا يمثل مثالًا في الاستقامة والشجاعة في مواقفه.

كان جان لوي رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كان ينتمي إلى تلك الفئة النادرة من خُدّام الجمهورية الذين لم يكن التزامهم مجرد حساب سياسي، بل كان واجبًا مقدسًا. حمل في داخله إرث والده، ميشيل ديبري، لكنه لم يبقَ أبدًا في ظله. لقد صنع مسيرته بنفسه، ورسم طريقه بروح استقلالية وولاء راسخ لقناعاته.

بصفته وزيرًا للداخلية، واجه الأزمات بشجاعة وهدوء، دون أن يستسلم أبدًا للتهاون أو الشعبوية. وعندما أصبح رئيسًا للجمعية الوطنية، جسّد بكل وقار سلطة الجمهورية وأهمية النقاش الديمقراطي. أما عندما ترأس المجلس الدستوري، فقد كان حارسًا صارمًا لقوانيننا، رافضًا أي شكل من أشكال التسوية أو الخضوع للضغوط. لم يكن صوته مرتفعًا، لكنه كان مسموعًا بفضل دقة كلماته وقوة مبادئه.

لكن جان لوي ديبري كان أيضًا رجل فكر وثقافة، وكاتبًا شغوفًا، وعاشقًا للتاريخ. كان يعلم أن السياسة، لكي تكون عظيمة، يجب أن تكون متجذرة في معرفة الماضي ورؤية مستنيرة للمستقبل. كان قلمه مثل كلماته، حادًا، أنيقًا، ومؤثرًا.

وراء السياسي، كان هناك الإنسان. رجل الوفاء والإخلاص، الذي لم يخشَ يومًا التعبير عن آرائه، حتى لو أزعجت البعض. رجل يتمتع بروح الدعابة وقلب كبير، يفهم أن الصداقات الحقيقية أغلى من الألقاب والأوسمة.

اليوم، يترك خلفه فراغًا هائلًا. صمتًا ثقيلًا، هو صمت رجل كانت كلماته ذات وزن، ونظرته ثاقبة، وفكره متقدًا. لكن إرثه لن يندثر. سيظل جان لوي ديبري إلى الأبد شخصية بارزة في جمهوريتنا، ومرجعًا لكل من لا يزالون يؤمنون بعظمة السياسة، ونموذجًا لكل من يرفضون الرضوخ للانتهازية والمساومة.

إلى عائلته، وأحبائه، وكل من أحبوه وأعجبوا به، أقدم أصدق مشاعري وتعازيّ.

جان لوي، معركتك لا تنتهي هنا. ستستمر في ذاكرة كل من فهموا قوة التزامك. ارقد بسلام، فالتاريخ لن ينساك أبدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى