الامتيازعهد جديد

الهروب إلى المعركة: حين يصبح التكتيك فخًا لصاحبه

الهروب إلى المعركة: حين يصبح التكتيك فخًا لصاحبه

حين تضيق الخيارات، يتوهّم البعض أن الاستمرار في القتال هو الحل، حتى لو كان القتال بحد ذاته هروبًا من الواقع. ما يُعرض اليوم ليس تسوية، بل محاولة لإعادة إنتاج الأزمة تحت شعار جديد، كأن تغيير العناوين كافٍ لتبديل الوقائع. والمفارقة أن من أتقن التلاعب بعامل الوقت بات اليوم يستهلكه بالكامل، ليس لإيجاد مخرج، بل لإبقاء اللعبة مفتوحة، ولو كان الثمن تفويت الفرص الأخيرة.

التاريخ لا يكرّر نفسه، لكنه يسخر ممّن يرفضون التعلم منه. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الرهان على الإنهاك المتبادل بدل اتخاذ قرار جريء. لكن الفارق اليوم أن المهل السياسية لم تعد بلا نهاية، والهوامش التي كانت متاحة بالأمس تضيق، فيما الأوراق التي يُعتقد أنها رابحة قد تتحول إلى عبء على من يصرّ على الاحتفاظ بها حتى آخر لحظة.

الدكتور جيلبير المحبر قال ذات مرة إن السياسة ليست مقامرة، بل حساب دقيق للأرباح والخسائر. لكن يبدو أن البعض يفضّل لعبة الروليت الروسية، حيث الاستمرار في الضغط على الزناد هو الخيار الوحيد، ولو كان الاحتمال الأكبر هو السقوط. الوقت الذي كان يمكن استثماره في تسوية متوازنة يُستنزف اليوم في معركة تراجعية، والرهان على تبدّل الظروف بانتظار لحظة مؤاتية قد يكون مقامرة خاسرة، خصوصًا حين يصبح التكتيك غطاءً للعجز عن اتخاذ القرار الصحيح.

في عين التينة، يبدو أن الرهان هذه المرة على المعركة بدل التسوية، لكن ماذا لو كان الوقت قد تجاوز من يراهن عليه؟ ليس كل تراجع تكتيكيًا، ولا كل مغالبة تعني الغلبة. فمن جرّب اللعب بالوقت وخسر، لا يُلدغ من الجحر نفسه مرتين. الزمن الذي كان حليفًا في الماضي قد يتحوّل إلى خصم لا يرحم، والسياسة ليست مقامرة يستطيع صاحبها التراجع عنها متى أراد. حين تتحول الورقة الأخيرة إلى فخ، يكون الوقت قد انتهى، ولو لم يُعلن ذلك رسميًا بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى