السياسةمقالات

عظمة فرنسا في الخارج… وأمراض في الداخل!

مايوت في قلب الكارثة: عظمة فرنسا في الخارج… وأمراض في الداخل!
بقلم: جيلبير المجبر

فرنسا، التي تتباهى بكونها واحدة من أقوى دول العالم، تقف اليوم عاجزة عن إنقاذ مواطنيها في مايوت. الإعصار الذي اجتاح الجزيرة كشف حقيقة مؤلمة: سكان مايوت، وهم جزء من الجمهورية الفرنسية، يعيشون في ظروف لا تليق حتى بأفقر دول العالم، حيث الجوع ينهشهم، والأمراض تنتشر بينهم، ولا حياة لمن ينادي.
نحن في مايوت، نمتلك محلات رياضية وأشغال تجارية تعمل في دعم الاقتصاد المحلي، ونعمل جنبًا إلى جنب مع فريق من الموظفين المحليين. ورغم كل الجهود التي نبذلها لتحسين الأوضاع، يبقى الوضع الكارثي كما هو. ما يحدث في مايوت يؤثر على أعمالنا المحلية وعلى حياة أهلها الذين هم جزء من هذا الوطن. كيف يمكن لدولة تدّعي العظمة أن تتجاهل هذا الواقع؟
مايوت: بين المرض والجوع
منذ أن ضرب إعصار “شيدو” الجزيرة، بدأت الأمراض في الانتشار بشكل مخيف، نتيجة نقص المياه النظيفة وتدهور الخدمات الصحية. مع تكدس العائلات في أماكن مؤقتة وغير صالحة للسكن، وغياب المرافق الأساسية، بات الأطفال والنساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، والتهابات الجلد، وحتى الأوبئة المنقولة عبر المياه الملوثة.
كيف يمكن لدولة بحجم فرنسا أن تقف مكتوفة الأيدي بينما سكانها يعانون من هذه الكوارث؟ أين الاستجابة الطارئة التي تتغنى بها فرنسا في المحافل الدولية؟
فرنسا: دولة عظمى… ولكن أين الشعب؟
في الوقت الذي ترسل فيه فرنسا مساعدات إنسانية للدول الإفريقية، وتساهم في حل الأزمات الدولية، يعيش الآلاف من مواطنيها في مايوت بلا مأوى، بلا مياه نظيفة، وبلا كهرباء.
إن التناقض هنا صادم: كيف لدولة تدّعي أنها رائدة الإنسانية أن تفشل في حماية أبسط حقوق مواطنيها؟ هل أصبحت عظمة فرنسا مجرد شعار للتسويق السياسي، بينما واقعها يكشف هشاشتها الداخلية؟
وضع صحي متدهور وزيارات بلا جدوى
الزيارات الرسمية من المسؤولين الفرنسيين، بما فيها زيارة الرئيس ماكرون، لم تضف شيئًا لحياة سكان مايوت. بقيت الخطابات وعودًا، ولم تُترجم إلى أفعال.
المستشفيات في مايوت تعمل فوق طاقتها وبإمكانيات متواضعة جدًا.
الأطباء يحذرون من تفشي الأمراض بسبب انعدام النظافة وتكدس السكان في ظروف غير إنسانية.
الكارثة الصحية في مايوت قد تتحول إلى أزمة أكبر، إن لم تتخذ فرنسا خطوات جدية وفورية.
رسالة صادمة لصانعي القرار
على فرنسا أن تتوقف عن التباهي بقوتها في الخارج، وأن تركز على معالجة الكارثة الإنسانية والصحية التي تعيشها مايوت. ما يحتاجه سكان الجزيرة اليوم ليس مجرد كلمات تعاطف، بل:
إغاثة صحية عاجلة: إرسال فرق طبية متخصصة، مع توفير أدوية ومعدات لتجنب تفشي الأوبئة.
تأمين المياه النظيفة فورًا: إطلاق برامج طوارئ لتأمين مياه الشرب وتطهير المياه الملوثة.
إعادة إعمار سريع: بناء مساكن مؤقتة للعائلات المشردة إلى حين الانتهاء من إعادة الإعمار.
التعامل بإنصاف: معاملة سكان مايوت كمواطنين فرنسيين كاملين، وضمان حقوقهم كجزء لا يتجزأ من الجمهورية.
مايوت: عار على قوة عظمى
إذا كانت فرنسا تريد حقًا أن تحتفظ بمكانتها كدولة عظمى، فعليها أن تبدأ بإصلاح الداخل.
مايوت اليوم تقف كدليل حي على فشل فرنسا في تحقيق العدالة الاجتماعية لمواطنيها. عظمة الدول لا تُقاس بمساعداتها الخارجية فقط، بل بمدى قدرتها على حماية شعبها وضمان كرامته.
كفى تجاهلًا!

العالم كله ينظر إلى فرنسا كرمز للحرية والمساواة، لكن سكان مايوت يعيشون في عالم آخر تمامًا. إن الأمراض والجوع هما الوجه الحقيقي لمايوت اليوم. وعلى فرنسا أن تُدرك أن كل يوم يمر دون تدخل حقيقي هو وصمة عار على جمهوريتها.

الوقت ليس في صالح أحد. إذا لم تتحرك فرنسا الآن، فإن الكارثة لن تبقى محصورة في مايوت، بل ستصبح جرحًا مفتوحًا في قلب الجمهورية الفرنسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى