السياسةمقالات

بين الاعتباطية والإصلاح القضائي المطلوب

إطلاق سراح الموقوفين: بين الاعتباطية والإصلاح القضائي المطلوب

في ظل الأزمات المتتالية التي تعصف بلبنان، كتبت مجلة الاعتبار في مقالها الأخير أنَّه لا يمكن تجاهل الدور الحاسم الذي يلعبه القضاء في الحفاظ على العدالة وفرض سيادة القانون. لكن، في الوقت الذي ينتظر فيه اللبنانيون أن يحقق القضاء العدالة، نجد أن بعض القرارات القضائية قد تكون قد اتخذت تحت ضغط السياسة أو الحساسيات الطائفية، ما يهدد مصداقية النظام القضائي ويعزز الشعور بالعجز العام.

من بين أبرز هذه القرارات تلك التي اتخذها المدعي العام التمييزي السابق غسان عويدات، عندما قرر إطلاق سراح جميع الموقوفين الذين أوقفهم القاضي فادي صوان في قضية انفجار مرفأ بيروت، في خطوة اعتباطية تفتقر إلى المنطق القضائي السليم. فكيف لنا أن نغفر لقضاء يتخذ قرارات تبدو وكأنها تصب في خانة المناورات السياسية بدلاً من خدمة العدالة؟ هذا القرار الذي يفتح الباب على مصراعيه للشكوك حول نزاهة القضاء وحياديته، يعكس ضعفًا في الإرادة السياسية لإجراء المحاسبة الحقيقية.

وبعد رحيل غسان عويدات عن منصبه، يتساءل اللبنانيون: هل سيواصل خلفه جمال الحجار اتباع ذات “المثال الصالح” في إطلاق سراح الموقوفين، بما فيهم الإسلاميين الموقوفين في سجن رومية؟ هل سيستمر القضاء اللبناني في اتخاذ قرارات بناءً على الاعتبارات السياسية أو الطائفية أم سيتجه نحو سيادة القانون واستقلاليته؟

إصلاح القضاء في لبنان يجب أن يكون على رأس أولويات العهد الجديد. لا يمكن للقضاء أن يستمر في كيل الاتهامات وفقًا للأهواء السياسية أو الانتماءات الطائفية. العدالة يجب أن تكون هي المعيار، بعيدًا عن أي تأثيرات خارجية أو مصالح ضيقة. يجب أن يعود القضاء إلى دوره في محاسبة الجميع دون استثناء، وأن يتمكن المواطن اللبناني من الثقة بأن النظام القضائي قادر على إنصافه بعيدًا عن التدخلات السياسية.

إن الإصلاح الحقيقي يتطلب تغييرًا جذريًا في طريقة التعامل مع القضايا الحساسة، وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والقضاء. هذا الإصلاح ليس مجرد مسألة قانونية، بل هو مسألة وطنية في المقام الأول. فإذا كان القضاء لا يستطيع أن يكون الأداة التي تحمي العدالة وتؤمن الحقوق، فكيف لنا أن نأمل في استقرار البلاد أو في بناء دولة القانون؟

لن تكون الإصلاحات مجدية ما لم يكن هناك إرادة حقيقية لضمان استقلالية القضاء ورفع اليد السياسية عنه. لبنان يحتاج إلى قضاء نزيه، شجاع، لا يخضع لأي ضغوط، وقادر على محاسبة كل من يسيء استخدام السلطة، بغض النظر عن انتمائه أو مكانته.

الوقت قد حان لإصلاح حقيقي يضمن أن تكون العدالة في لبنان ليست مجرد شعارات، بل واقعًا ملموسًا يشعر به الجميع. وعليه، فإن المسؤولية تقع على عاتق كل من يشغل منصبًا قضائيًا في العهد الجديد، لتكريس العدالة وحماية الحقوق، بعيدًا عن أي ضغوط سياسية أو طائفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى