
لبنان بين حرية الفكر وعبودية الولاءات: دعم القيادة بفكر حر ومسؤول
لبنان اليوم يقف على مفترق طرق حاسم. لدينا رئيسٌ للجمهورية، ودولة رئيس لمجلس الوزراء، وحكومة تسعى جاهدة وسط الظروف الصعبة. في هذا الواقع المتشابك، يبرز سؤال مصيري: كيف نساند هذه القيادة؟ هل نؤيدها لأننا نرى فيها الأمل للبنان، أم لأننا منتمون سياسياً أو طائفياً إلى هذه الجهة أو تلك؟
في لبنان، الفكر الحر هو الذي يعطينا القدرة على التمييز بين الفكرة الصائبة والشخص المنتمي لها. ولاءنا الأعمى للأشخاص وتقديسهم من دون التفكر في أفكارهم هو أحد أسوأ أمراضنا السياسية. إننا في حاجة ماسة إلى تصحيح هذا النهج، لأننا إذا استمررنا في دعم الأفكار بناءً على الشخصيات لا بناءً على الفعل والفكرة، فلن نصل إلى أي تغيير حقيقي.
يقول ابن خلدون: “الحرُّ يدافع عن الفكرة مهما كان قائلها، والعبد يدافع عن الشخص مهما كانت فكرته.” إذا أردنا أن ننهض بلبنان، يجب أن ننتصر للأفكار التي تخدم الوطن، لا للأشخاص الذين يقودونها. إن الثورة الفكرية التي تحتاجها البلاد لا تتعلق بتغيير الوجوه فقط، بل بتغيير الطريقة التي نرى بها القائد والفكرة معًا.
بين الولاء للبنان والولاء للأشخاص
يعيش لبنان حالة من الانقسام العميق، ليس فقط في السياسة بل في الفكر أيضًا. هناك من يتبنى فكرة “الدعم الأعمى” باعتباره المعيار الوحيد لمساندة القيادة، سواء كان ذلك لدعم رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو أي مسؤول آخر. لكن هل هذا هو النهج الصحيح؟ هل يجب أن نقف معهم فقط لأنهم يمثلون طائفتنا أو فصيلنا السياسي، أم يجب أن نقيمهم بناءً على مدى جدية التغيير الذي يسعون لتحقيقه؟
في لبنان، الولاء للأشخاص أصبح غالبًا أكثر أهمية من الولاء للأفكار. نجد كثيرين يناصرون قياداتهم لأسباب قد تكون سياسية أو طائفية، دون أن يعيروا أي اهتمام للإنجازات الفعلية أو الفشل الذي قد يسجلونه في أداءهم. هذه العقلية أدت إلى تكريس الفساد وتعميم الشلل الحكومي، لأننا أصبحنا نعيش في دائرة من “التقديس الأعمى” للأشخاص، بدلًا من الوقوف مع الفكرة الصائبة.
في هذا السياق، تبرز الحاجة الماسة إلى فهم أعمق للحرية. إن الحرية الحقيقية تتجسد في القدرة على الاختيار الواعي، في أن ندعم القادة عندما يتخذون خطوات إصلاحية، وننتقدهم عندما ينحرفون عن المسار، دون أن نكون أسرى للطائفة أو الحزب.
جيلبير المجبر: نموذج للدعم الواعي والمُستنير
إذا كان هناك من يستطيع أن يلخص هذه الرؤية بوضوح، فهو الدكتور جيلبير المجبر، الذي لطالما دعا إلى دعم الدولة ومؤسساتها، ولكن دعمًا قائمًا على أساس من الفعالية والإنجازات وليس على الولاء الشخصي أو الطائفي. لقد دافع الدكتور جيلبير المجبر عن الحرية الفكرية في أكثر من مناسبة، مؤكدًا أن لبنان لا يحتاج إلى الدعم الأعمى، بل إلى دعم مدروس ومسؤول ينطلق من أهداف وطنية صافية.
إن هذا النوع من الدعم لا يُقدّر على أساس من يشغل المنصب بل على أساس ما يقدمه هذا الشخص للبنان من حلول وأفكار فعلية. نحن بحاجة إلى تغيير حقيقي، وفي هذا التغيير يجب أن نكون أحرارًا في اتخاذ مواقفنا، بعيدًا عن الارتباطات الشخصية أو الحزبية.
القيادة الحقيقية: دعمها من أجل لبنان، لا من أجل شخصيات سياسية
نعم، لدينا اليوم رئيس للجمهورية، دولة رئيس مجلس الوزراء، وحكومة تواجه العديد من التحديات. لكن هل دعمهم يكون فقط من أجل ما يمثلونه، أم من أجل ما يقدمونه فعلاً للبنان؟ إذا كنا نؤمن بحق لبنان في النهوض، فواجبنا أن نساند القيادة الحالية في خطواتها الإصلاحية، ولا نكتفي بالكلام الطيب والشعارات. النجاح لا يتحقق من خلال الخطابات أو الشعارات التي تملأ الساحات. النجاح يتحقق عندما نرى أفعالًا حقيقية على الأرض، عندما نرى خطوات إصلاحية تعيد بناء المؤسسات وتصحح الأوضاع.
لكن في الوقت نفسه، يجب أن نكون حذرين من التضحية بالواقع من أجل العواطف. يجب أن نتوقف عن تقديس الأشخاص، لأن تقديس الأشخاص دون الأفكار هو أول خطوة نحو الفشل. إذا أردنا أن نكون جزءًا من الحل، فعلينا أن نكون داعمِين للأفكار التي تسعى لإصلاح لبنان، لا للأشخاص الذين لا يقدمون أي تغيير حقيقي.
الخاتمة: دعم القيادة بفكر حر ومسؤول
اليوم، إذا أردنا للبنان أن ينهض من كبوته، يجب أن ننتصر للأفكار التي تحمل رؤية إصلاحية، لا للشخصيات التي تقدم وعودًا فارغة. لا يمكن للبنان أن يتغير إذا بقينا أسرى الولاءات الشخصية والطائفية. يجب أن نتبع الحرية الفكرية، التي تمكننا من انتقاد الفشل ودعم النجاح، مهما كان الشخص الذي يقف وراءه. لبنان يحتاج إلى شعب حرّ قادر على دعم المشاريع الإصلاحية، وليس فقط دعم الأشخاص لمجرد أنهم يشغلون المناصب.
لبنان يحتاج إلى التغيير، والتغيير لا يأتي إلا عندما يتغير فهمنا للحرية والسياسة.
د. جيلبير المجبر