المجلة

لبنان بين جبران والمجبر: هل نتعلم من دروس الحياة؟

لبنان بين جبران والمجبر: هل نتعلم من دروس الحياة؟

بقلم: الدكتور جيلبير المجبر

بينما يتصارع لبنان مع أزماته التي تتفاقم يومًا بعد يوم، نجد أن فكرنا مليء بالتساؤلات والمخاوف، هل وصلنا إلى نقطة اللاعودة؟ هل أصبح وطننا الذي كان يومًا منارة للشرق على شفا الهاوية؟ ومع مرور كل لحظة، يبدو أن هناك قوى تحاول جاهدًا أن تدمّر ما تبقى من حلم اللبنانيين في بناء دولة حرة عادلة. لكن، هل من أمل؟ وهل يمكننا أن نتعلم من الماضي؟ ربما نجد بعض الإجابات في فكر جبران خليل جبران الذي كانت كلماته أداة للتحرر، وفي قراءتي الخاصة للواقع اللبناني، الذي يُظهر أنه لم يعد هناك مكان للتردد أو الخوف من الحقيقة.

لبنان كما رآه جبران: الأمة التي تبحث عن كرامتها

في كتب جبران، نجد ذلك الصرخة المدوية ضد الخنوع، ضد الطائفية والفساد، وضد الخضوع للقوى التي تقيد الشعوب. فكما عبر في العديد من أعماله، كان جبران يرى أن الإنسان لا يمكن أن يظل أسيرًا للأوطان التي تتجاذبها المصالح الضيقة، بل يجب عليه أن يتحرر من هذه الأصفاد الداخلية كي يكون قادرًا على الانطلاق.

“ويلٌ لأمةٍ كثرت فيها الطوائف وقلّ فيها الدين، وكثرت فيها المذاهب وقلّ فيها الإيمان.”

هذه الكلمات التي كتبها جبران لا تزال تتردد في آذاننا، وكأنها تُنبئنا بما سيحدث لو استمرينا في العيش في هذا السبات الطائفي الذي تفرضه علينا الطبقات السياسية. لبنان اليوم يُعاني من انقسامات قاتلة، شعبه تائه بين العوامل التي أضعفت وحدته وأعاقت تقدمه. في النهاية، لبنان ليس وطنًا للجميع، بل هو وطن للأنانيين الذين يحاولون تقسيمه لتلبية أطماعهم.

جبران كان يرى أن الشعب لا يمكن أن يتقدم إلا إذا بدأنا بتغيير نظرتنا إلى أنفسنا. نحن في لبنان بحاجة إلى ثورة فكرية حقيقية، نحرر من خلالها أنفسنا من جدران الخوف التي تُحيط بنا.

قراءة جيلبير المجبر: أزمة الوعي والإرادة

أما بالنسبة لي، فإن ما يمر به لبنان اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل هو أزمة وعي، أزمة إرادة شعبية. لبنان بحاجة إلى جيل جديد، ليس فقط ليحل مكان الأجيال السابقة، بل ليُحدث نقلة نوعية في طريقة التفكير والوعي الوطني. جبران كان محقًا في قوله إن التحرر يبدأ من الذات. لبنان لا يعاني فقط من فساد حكامه، بل يعاني من فسادنا نحن كأفراد. لماذا؟ لأننا تخلينا عن المبادئ الكبرى التي كانت تؤمننا بلبنان الواحد، وتوحدنا في أهداف مشتركة.

“من لا يستطيع تغيير نفسه، لا يستطيع تغيير وطنه.”

لقد أضحت هذه المقولة واضحة في كل ركن من أركان لبنان. اللبنانيون اليوم بحاجة إلى إرادة فعلية للانطلاق إلى مرحلة جديدة، مرحلة تُبنى فيها القيم الوطنية الحقيقية، وتُلغى فيها كل الممارسات التي جعلت من لبنان ساحة للصراع على النفوذ والسلطة. لبنان لا يحتاج إلى قائد جديد بقدر ما يحتاج إلى فكرة جديدة، فالقائد الذي يخرج من بيننا يجب أن يكون محملاً بروح التغيير التي نحتاج إليها بشدة.

دروس الحياة: من جبران إلى المجبر

في هذه اللحظة التاريخية التي يعيشها لبنان، لا مجال للتأجيل أو التقاعس. نحن في مرحلة مفصلية، وإذا لم نُدرك قيمة اللحظة ونستغلها للتغيير الحقيقي، فإننا سنكون قد ضيعنا آخر فرصة لبناء وطن صالح للأجيال القادمة. دروس جبران خليل جبران تُظهر لنا الطريق، ولكنها تتطلب منا أكثر من مجرد قراءة هذه الكلمات. يجب أن نعيها ونطبقها في حياتنا اليومية:
1. التغيير يبدأ من الداخل – لا يمكننا أن نصلح الوطن دون أن نصلح أنفسنا أولًا. على كل لبناني أن يتحمل مسؤوليته في بناء وطنه، بعيدًا عن التوقعات السلبية والانتقادات السطحية.
2. لا تنتظروا الحلول من الخارج – كما قال جبران، لا يمكن أن يكون الوطن مجرد أداة في يد الآخرين. الحلول الحقيقية تبدأ عندما نتحمل مسؤولية وطننا بأنفسنا.
3. الوطن لا يبنى بالكلام – حب الوطن لا يُختصر في شعارات، بل يُترجم إلى أفعال حقيقية. لا يكفي أن نردد عبارات حب الوطن، يجب أن نعمل من أجل تحقيقه.

خاتمة: هل نستطيع أن نتعلم؟

اليوم، ونحن نشهد انهيار لبنان من كل جانب، علينا أن نسأل أنفسنا: هل نتعلم من أخطاء الماضي؟ هل نتمكن من تجاوز الطائفية والفساد، ونبني وطنًا جديدًا يقوم على العدالة والمساواة؟ إذا كانت لدينا الإرادة الصادقة، وإذا اقتنعنا بأن الوقت قد حان للتغيير الجذري، فسنتمكن من إعادة بناء لبنان، وسنكتب فصولًا جديدة في تاريخه.

إن جبران كان محقًا عندما قال:
“كل تغيير يبدأ عندما يقرر الإنسان أن يكون التغيير نفسه.”

اليوم، نحن من يجب أن نكون التغيير، والفرصة أمامنا الآن. لن نستطيع أن ننتظر أكثر، ولا يمكننا أن نعيش في الماضي. لبنان بحاجة إلينا، ولا يمكننا أن نخذله الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى