الامتيازعهد جديد

سراب النداء.. كيف نصنع خيباتنا بأنفسنا؟

سراب النداء.. كيف نصنع خيباتنا بأنفسنا؟

“المشكلة هي أنّك ركضت مُسرعًا بمجرد أن سمعت النداء، بينما كلّ ما كان عليك فعله، هو أن تلتفت.”
— دوستويفسكي

الخيبة ليست مفاجأة، بل هي نتيجة واضحة لاختياراتنا المتسرعة. نحن من نصنعها حينما نركض نحو السراب ونظنه ماءً، حينما نغفل عن التفكير العميق ونسلم أنفسنا للأوهام. في عالم مليء بالوعود الجذابة والفرص المغرية، أصبحنا نركض وراء كل شيء دون أن نتوقف لنسأل: هل هذا ما نحتاجه؟ هل يستحق هذا الجري؟ والنتيجة؟ خيبة تلو الأخرى.

الدكتور جيلبير المجبر يؤكد في دراساته النفسية أن الخيبات ليست شيئًا مفروضًا علينا، بل هي نتيجة لغياب الوعي والتفكير المتأني. التسرع في الحكم، الانغماس في العواطف، والانجراف وراء المظاهر هو السبب الأول في الوقوع في الفخ. نحن نمنح ثقتنا قبل أن نتأكد من النوايا، نركض وراء الأوهام باعتقاد أنها الحقيقة، نمنح الآخرين سلطات على حياتنا دون أن نختبرهم أو نتفحصهم بما فيه الكفاية.

حينما نسمع النداء، ننقض عليه وكأننا في سباق لا نهاية له، ننسى أن الحياة ليست مجرد سرعة، بل هي تفكير، وعقل، وتفحص. لا يجب أن نمنح قلبنا لمن يمد يده، ولا نركض خلف الفرص لمجرد أنها تُعرض أمامنا. الخيبة لا تأتي من الآخرين بقدر ما تأتي من تسرعنا في التعامل مع الواقع. نحن من نمنح الحياة مفاتيحنا، ونحن من نفتح الأبواب التي لا تستحق.

إذا أردت أن تحمي نفسك من الخيبة، يجب أن تتعلم فن التوقف، والالتفات، والتفكير. لا تندفع أبدًا نحو شيء لم تختبره بعمق. تذكر أن الثقة لا تُمنح عشوائيًا، بل تُبنى على أساسات متينة، ومع مرور الوقت. إعطاء الثقة قبل أوانها هو أول خطواتك نحو الخيبة.

قد يكون النداء مغريًا، قد تبدو الفرصة مثالية، لكن الحياة تعلمنا أنه ليس كل وميض ضوء هو النجاة، وليس كل يد تمتد إليك هي يدًا تريد إنقاذك. أحيانًا، يكون هذا الوميض مجرد انعكاس زائف لما نريد أن نراه، وأحيانًا، تكون اليد التي تمتد إلينا هي اليد التي ستسحبنا نحو الأسفل.

الخيبة ليست شيئًا يُفرض علينا، بل هي نتيجة قراراتنا المتسرعة التي تُبنى على ظنون وأوهام. إذا أردنا أن نتجنب هذا المسار، يجب أن نتوقف عن الركض خلف السراب. قبل أن تمنح قلبك لمن لا يستحق، قبل أن تضع كل آمالك في طريق لم تختبره، يجب أن تسأل نفسك: هل يستحق؟

في عالمٍ مليء بالأصوات الصاخبة، يجب أن نتعلم كيف نسمع صوتنا الداخلي، كيف نلتفت قبل أن نركض. فكر مرتين، قبل أن تركض مرة واحدة. فإن الحياة ليست سباقًا، بل هي رحلة من التمحيص، والاختيار، والتعلم من كل خطوة نخطوها.
الدكتور جيلبير المجبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى