العدالة في لبنان: ضرورة الإصلاح بقيادة قاضٍ محترف يجمع بين رئاسة الحكومة ووزارة العدل
د. جيلبير المجبر
يمر لبنان بمرحلة استثنائية على كافة الأصعدة، والعدالة هي حجر الزاوية لبناء دولة مستقرة وقوية. مع ذلك، فإن النظام القضائي اللبناني يعاني من تدخلات سياسية، فساد متفشٍ، وضعف في المحاسبة، مما يعيق تحقيق العدالة الفعالة.
في هذا السياق، تأتي فكرة تولي رئيس الحكومة المكلف وزارة العدل كحل استثنائي وجذري لمواجهة التحديات الحالية، خصوصًا أن رئيس الحكومة المكلف يمتلك خبرة دولية كقاضٍ محترف ورئيس لمحكمة دولية. إن هذه المؤهلات تجعله الأنسب لتولي هذا المنصب في هذه المرحلة الحرجة.
التحدي الدستوري: المادة 64
ينص الدستور اللبناني في المادة 64 على:
“لا يجوز لرئيس مجلس الوزراء أو للوزراء أن يتولوا أي وظيفة عامة أخرى أو أن يقوموا بأي عمل مهني أو تجاري.”
هذه المادة تمنع الجمع بين منصبي رئيس الحكومة ووزير العدل، لكنها صُممت لضمان الفصل بين السلطات في الظروف الطبيعية. إلا أن لبنان اليوم يعيش وضعًا استثنائيًا يتطلب تفكيرًا مرنًا وإجراءات غير تقليدية.
لماذا الجمع بين المنصبين ضرورة؟
• رؤية موحّدة لإصلاح القضاء:
الجمع بين منصبي رئيس الوزراء ووزير العدل سيتيح تطبيق خطة إصلاحية شاملة دون إضاعة الوقت في التنسيق بين الوزارات أو مواجهة عراقيل سياسية.
• مواجهة الفساد والتدخلات السياسية:
يحتاج لبنان إلى قيادة قانونية قوية ومستقلة قادرة على فتح الملفات العالقة ومحاسبة المسؤولين دون تأثيرات سياسية. خبرة رئيس الحكومة المكلف كقاضٍ تمنحه الأدوات القانونية لمواجهة هذه التحديات.
• إجراء تعديل دستوري مؤقت:
يمكن تجاوز المادة 64 عبر تعديل دستوري مؤقت يتيح لرئيس الحكومة المكلف الجمع بين المنصبين لفترة محددة، بما يعكس إرادة اللبنانيين في تحقيق العدالة والإصلاح.
الإصلاحات التي يمكن تحقيقها من خلال هذا الجمع
1. إعادة بناء استقلالية القضاء:
تعزيز استقلالية القضاء عبر تقليص التدخلات السياسية، وإصلاح المؤسسات القضائية التي تعاني من الفساد والشلل.
2. فتح ملفات الفساد الكبرى:
مواجهة الجرائم الاقتصادية والقضايا التي تم التستر عليها لعقود.
3. الإصلاح التشريعي:
تحديث القوانين والإجراءات القضائية لتسهيل وتسريع الوصول إلى العدالة.
ردود على الاعتراضات المتوقعة
• هل يُعتبر هذا خرقًا للدستور؟
الحل لا يكمن في خرق الدستور، بل في تعديل مؤقت يعكس ظروف لبنان الحالية. مثل هذه التعديلات ليست سابقة؛ فالدول تلجأ أحيانًا إلى إجراءات استثنائية في أوقات الأزمات.
• هل سيؤدي هذا إلى تركيز السلطة؟
الجمع بين المنصبين لن يكون دائمًا، بل سيقتصر على فترة انتقالية تُستخدم لإصلاح القضاء، مع التزام تام بالمحاسبة والشفافية.
نحو لبنان جديد قائم على العدالة
إن لبنان اليوم أمام مفترق طرق: إما الاستمرار في الانهيار بسبب غياب العدالة، أو اتخاذ قرارات جريئة تؤدي إلى إصلاح شامل. إن تولي رئيس الحكومة المكلف وزارة العدل يجمع بين الخبرة القانونية والقدرة السياسية لتحقيق هذا الإصلاح، مما يجعل الفكرة أكثر من ضرورة، بل واجبًا وطنيًا في هذه المرحلة الحاسمة.
العدالة ليست مجرد مطلب شعبي، بل هي الأساس لبناء لبنان المستقبل. فلنعطِ الأولوية للإصلاح القضائي كخطوة أولى نحو دولة القانون التي نحلم بها جميعًا.